:
1- هل "الاختلاف لا يفسد للود قضية" إن ما بين
الشيوعيين والرأسماليين من حروب ساخنة وباردة هو بسبب اختلاف عقائدهم،
وهذان الطرفان علمانيان فلماذا لم ينجح هذا الشعار؟ ولماذا لم يطبقه
الأمريكان الرأسماليون مع الروس الشيوعيين؟ واختلافات الدول العربية ليست
كلها اختلافات مصالح، بل جزء منها اختلافات عقائد أو أراء، أو مواقف، وهذا
أفسد للود قضايا كثيرة، والاختلاف الإداري يفسد للود ألف قضية، وكذلك
اختلاف الزوج مع زوجته في تربية الأولاد أو في ميزانية الأسرة، فالاختلاف
فيما هو أمور مباحة واجتهادية يفسد الود في أحيان كثيرة، فكيف بالأمور
العقائدية والجذرية؟ والالتزام بالإسلام ينهى الاختلافات الجذرية بين
المسلمين، ويرشد الاختلافات الاجتهادية ، ويوجد التعاون والمحبة والود بين
القلوب قال تعالى: " لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن
الله ألف بينهم انه عزيز حكيم" (63) سورة الأنفال، وأتمنى لو تعمق
العلمانيون في هذا الموضوع ولم يعالجوا أمورهم بسطحية!!.
2- "الدين لله والوطن للجميع" هذا الشعار مقبول
إذا كان المقصود به هو عدم إدخال الدين في كل قضية، ورفض الاجتهادات
الدينية المتطرفة، وعدم تقليل مساحة المساواة بين المسلمين وغيرهم في
مجالات سياسية وقانونية وإدارية واقتصادية أي رفض الظلم بإسم الإسلام،
ونقول التعصب ليس من الدين، ومحاربة التعصب هو بالالتزام بالدين، ولكن هذا
الشعار يصبح كارثة إذا كان معناه لنترك الإسلام ولنعزله عن الدولة والسياسة
والقوانين والتشريع، ولنأخذ العلمانية دينا ومنهجا، وهذا معناه أن الله
سبحانه وتعالى أعطانا عقائد وشرائع لا تصلح للتطبيق وهذا قمة الكفر والجهل
تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا قال تعالى : "أفحكم الجاهلية يبغون ومن
أحسن من الله حكما لقوم يوقنون" (50) سورة المائدة وقال تعالى " ثم جعلناك
على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون" (18) سورة
الجاثية وباختصار مساحة المساواة بين المسلمين وغير المسلمين كبيرة جدا،
ولكنها ليست مطلقة، وحرية الاعتقاد مكفولة لغير المسلمين ولن نتخلى أبدا عن
نظامنا الإسلامي لنقبل بنظام علماني، نؤمن بأنه كفر فنحن حاربنا الكفر، في
عقر داره، فكيف نرضى به في عقر دارنا ومبدؤنا " الدين لله، والوطن لله
ونحن لله ، قال تعالى: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين.
(162) سورة الأنعام.
3- "بالديمقراطية سنحل مشاكلنا" نعلم أن
الديمقراطية ( الشورى ) فيها خير كثير، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى قال
لنا " وأمرهم شورى بينهم " ونعلم أن رأى الأكثرية خير من رأى الأقلية في
القضايا الاجتهادية، وتوجد استثناءات لذلك ولكن نعلم أيضا أن الديمقراطية
جزء من بناء الدولة السياسي والاجتماعي والاقتصادي . وأن هناك أجزاء كثيرة
لابد منها ليكمل البناء، فلا بد من عقائد وأحكام وأخلاق نؤمن بها ونلتزم
بها حتى نبني أنفسنا وأسرنا وقبائلنا وشعوبنا ودولنا، فالديمقراطية لا تشفى
كل الأمراض، ولا تبني كل الأجزاء، فما الفائدة من الديمقراطية إذا كان
الشعب بلا أخلاق فاضلة ؟ وما الفائدة منها إذا تناقش الضائعون والحمقى
والمغرورون ؟ وما الفائدة منها إذا كنا نتعصب عرقيا أو طبقيا؟ ........الخ
ومن الخطأ تجاهل كل هذه القضايا الهامة والاعتقاد أن الديمقراطية ستحل كل
مشاكلنا، ونقول للعلمانيين تعمقوا في فهم ما ترددونه من شعارات وأهداف
عامة، ولا تحملوها أكبر مما تحتمل فالزائد أخو الناقص !!.[العلمانية والرد
عليها 20/ 151] -العلمانية في ميزان العقل -عيد الدويهيس
--------------
وقال :د. غالب بن علي عواجي:
"أثمرت الدعوة إلى الوطنية ثمارًا خبيثة, وبرزت العصبية البغيضة, وانتزعت
الرحمة بين الناس وحل محلها الفخر والخيلاء والكبرياء؛ حيث تعصَّب كل شعب
لوطنه واحتقر ما عداه في صور مخزية مفرقة, ومن أقوى الأمثلة على ذلك ما حصل
عند الأتراك -بفعل دسائس اليهود ضد الدولة الإسلامية العثمانية-حيث نفخوا
في أذهان الوطنيين الأتراك وجوب العودة إلى الافتخار بوطنيتهم الطورانية
التي كانت موجودة قبل الإسلام, والعودة إلى تقديس شعار الذئب الأغبر
معبودهم قبل الإسلام ونفخوا في الوقت نفسه في أذهان العرب والوطنيين الحنين
إلى الاعتزاز بالوطنية العربية وتقديمها على كل شيء, بل جعلها إلها كما
قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاه} 1 وقد عبَّر
شاعرهم عن ذلك بقوله:
هبوني عيدًا يجعل العرب أمَّة ... وسيروا بجثماني على دين برهم
فماذا ينتظر من الوطنيين حينما تكون الكلمة لهم؟ غير جعل الوطنية هي الدين،
وهل حقَّق هؤلاء السفهاء الأشرار كلامهم في حب الوطنية العربية؟ وماذا
فعلوا ضد اليهود في فلسطين وفي غير فلسطين؟ ماذا قدَّموا غير الصراخ
والعويل والنباح والتهديدات الجوفاء لتحرير القدس والأمة العربية؟ يرددون
كلامًا ممجوجًا مكررًا وشعارات أصبحت مهازل يستحي منها العقلاء على أنَّه
لم يقتصر الضرر فقط على ما تقدَّم, وإنما كانت وراء خدعة الوطنية أغراضًا
سياسية وثقافية واجتماعية؛ حيث بدت الدعوة للوطن تفرق بين الولاء لله تعالى
وبين والولاء لغيره تحت شعار "الدين لله والوطن للجميع", وبالغوا في وجوب
حب الوطن وأنه مشاع بين جميع المواطنين حتى السياسية منها, ومن هنا تَمَّت
اللعبة على كثير من بلدان المسلمين؛ حيث أصبح المواطن النصراني أو اليهودي
أو العلماني أو الشيوعي حتى وإن لم يكن من أهل ذلك البلد في الأساس فإنَّ
من حقِّه كمواطن أن يصل إلى أعلى الرتب التي يتمكَّن من خلالها من التحكم
في مصائر أهل تلك الشعوب الإسلامية, وهو ما هدف إليه أعداء الإسلام من
دعمهم السخي لأولئك الأقليات في تلك البلدان الذين هم في الأساس عملاء لتلك
القوي الكفرية العالمية, نجحوا في ذلك وفي نهاية الأمر, وهو نتيجة لتمكن
أولئك من السلطة, أصبح هؤلاء ينادون بأن الوطن والعيش فيه هو في الدرجة
الأولى لهم, وصاروا ينظرون إلى أهل تلك الأوطان الإسلامية بأنهم غرباء,
وأحيانًا يسمُّونهم عملاء, وبالتالي فمن حقهم أن يضطهدوهم, وهو ما تَمَّ في
بعض ديار المسلمين التي أصبح الحكم فيها لغير المسلمين, بل وطرد المسلمين
وحوربوا, ونُفِّذَ المخطط المعادي للإسلامي بكل دقة, وكأن الشاعر يندب حظهم
حينما قال مفتخرًا:
يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا ... نحن الضيوف وأنت رب المنزل
وبهذا يتضح أن دعوى الوطنية وكذا القومية وكذا الإنسانية والأخوة والمساواة
وحرية الكلمة وتقبل الرأي والرأي الآخر ما هي إلّا لعب سياسة ماكرة ودعوات
يراد من ورائها مكاسب سياسية وعقدية. وفي لبنان وفلسطين أقوى الشواهد,
واتَّضح أن الدعوة إلى كل النعرات الجاهلية لم ينتفع بها إلّا أعداء
الإسلام من اليهود والنصارى ليندمجوا مع المسلمين تحت هذا الاسم؛ لأنَّ
الغرض من قيامها في الأساس هو لتحقيق هذا الهدف, فلا يبتلى بها مجتمع إلّا
وأصيب بهذا الداء العضال من تراخي القبضة على الدين, ومن تمجيد تراب الوطن
وكل ذرة رمل فيه, وأنه وطن مقدَّس دون غيره من بلاد الآخرين, فاخترعت له
طقوس وشعارات, واخترعت له أعياد -هي غير الأعياد الإسلامية,' ويتبادل الناس
فيها التهاني والتبريكات, وتتعطل كثير من المصالح لانشغال الناس بتلك
الأعياد, بينما الإسلام ليس فيه إلّا عيدين عيد الفطر وعيد الأضحى, وعيد
صغير هو يوم الجمعة, وطلب أقطابها من الناس أن يقدّموا دماءهم رخيصة من أجل
تراب الوطن بدلًا عن الجهاد في سبيل الله تعالى.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد, بل جاءت ثالثة الأثافي وهي كثرة الأماكن
المقدّسة, فمرة يدعون إلى تقديس تراب الوطن كله, ومرة يدعون إلى تقديس بعض
المدن أو الأماكن التي قد لا يعرف لها ذكر ولا سابقة خير, بل أحيانا يدعون
إلى تقديس أماكن عرف عنها الشر, وربما وصل الحال إلى أن يختلط الأمرعلى من
لا معرفة له بالأماكن المحترمة من غير الأماكن المحترمة, والمسلمون يعلمون
أن الأسلام لا يدعو أحدًا إلى تقديس أيّ مكان في هذه الدنيا, ولا يجد
المسلمون بلدًا تحن إليها النفوس وتترقرق عنده الدموع إلّا مكة المكرمة
والمدينة النبوية, وليس ذلك لذات المكان أو لترابه, وإنما هو لما شرَّفهما
الله به من جعلهما أماكن عبادة فاضلة, ومن بعثة نبيه محمد -صلى الله عليه
وسلم- وبزوغ فجر الإسلام فيهما, ومن ظنَّ أن هذا الاحترام والتقدير إنما هو
لترابهما فهو جاهل, فقد كانت المدينة تسمَّى يثرب, وكان فيها ما ذكره
العلماء عنها من أنها أرض وباء وحرة جرداء حتى شرفها الله تعالى بنزول نبيه
فيها, ودعاؤه لها بالبركة, وأن ينقل حماها إلى الجحفة, ويبارك في مدها
وصاعها, وأن يحببها إليهم كحبّهم مكة أو أشد, إلى غير ذلك من أخبار هذا
البلد الطيب, وكذلك مكة فإنها وادٍ غير ذي زرع, شرَّفها الله بالكعبة, ولكن
في عرف الوطنية ليست العبرة بالصفات وإنما العبرة بذات الأرض, وأحيانًا
تقدس الوطنية الأرض؛ لأن هواءها جميل, وأشجارها باسقة, ونحو ذلك مما ينظر
إليه الشخص القصير النظر الضيق الفكر.
وليت شعري ما الفائدة من تقديس الوطنية إذا كانت ثمارها قطع كل صلة للشخص
بما وراء وطنه, وبالتالي قطع أواصر المودَّة بين أواطان المسلمين, وأن كون
الولاء والبراء قائمًا على الوطنية لا على الأخوة الإسلامية, وأن يغضب
الشخص لوطنه أكثر من غضبه لدينه, والتعصب لبني وطنه وتقديسهم سواء كانوا
قبل الإسلام أو بعده مقدمًا لهم على أواصر الأخوة في الدين؛ بحيث يجب أن
يحب الملحد الوطني على الصالح من غير وطنه حسب شريعة الوطنية, أليست هذه
معاول هدم تفرّق ولا تجمع؟ وتشتت المسلمين وتضعفهم؟
[المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها 2/ 985]
--------------